هل كانت تونس تحتاج إلى زوبعة جديدة من هذا النوع و في هذا التوقيت الدقيق و الحساس؟ سؤال تطرحه تداعيات التحوير الوزاري الأخير الذي طال ثلاث مناصب أهمها وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة ليكون خليل الغرياني عن منظمة الأعراف خلفا لعبيد البريكي المحسوب على الاتحاد.
أزمة في الأفق
وتخشى الأوساط السياسية أن يتسبب التحوير الجزئي في جر البلاد إلى حالة من التوتر السياسي والنقابي. ففي هذا السياق، أكد اليوم ، المحلل السياسي جمعة القاسمي أن ما أقدم عليه مؤخرا رئيس الحكومة لم يشكل مفاجئة بقدر ما سيعرض البلاد الى أزمة جديدة. اذ سيفتح الباب امام تحديات جديدة سيكون لها وقعها على السلم الاجتماعي باعتبار الاستفزاز الواضح للاتحاد العام التونسي للشغل.
و قال القاسمي في اتصال هاتفي مع “أفريكان مانجر”، ” إن لم يبادر الشاهد بامتصاص غضب المنظمة النقابية، فسيفتح حتما جبهة جديدة ستكون لها تداعيات سلبية على الوضع العام”.
وضع لطالما تميز بالتوتر في ظل الأزمة المستعصية بين وزير التربية و نقابات التعليم و من ورائها المنظمة الشغيلة ، التي لا فقط أحدثت صراعا كبيرا بين كل المتدخلين في هذا الشأن بل أيضا حربا بين نقابات تتمسك برحيل الوزير و حكومة تدافع عنه معتبرة “ان مسالة الاقالة من صلاحيات الحكومة أو مجلس نواب الشعب فقط”.
و مع ذلك، تبقى الطريقة التي اعتمدها الشاهد في التعديل الجزئي الذي أدخله على تشكيلة فريقه الحكومي تثير الكثير من الجدل. وهي طريقة تؤكد أنها مغامرة متسرعة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي برهن افتقاره للحنكة السياسية المطلوبة في مثل هذه الأوقات.
وقوبلت في المقابل بالكثير من النقد و الاستهجان من قبل عدد من السياسيين و البرلمانيين. ففي هذا الاطار، أكد منجي الرحوي رئيس لجنة المالية صلب نواب الشعب ،أن ما أقدم عليه الشاهد سيدفع بالبلاد الى المجهول و التقدم في الطريق المسدود.
و أوضح الرحوي لافريكان مانجر، أنه لا يمكن الحديث اليوم عن إصلاحات بعدما خير الشاهد المواجهة و الصدام مع المنظمة الشغيلة ذات الوزن و الدور الهام في البلاد.
الشاهد متهم بالانقلاب
هذا و لم يستبعد عدد من المراقبين تورط “وثيقة قرطاج” التي على أساسها تشكلت حكومة الشاهد. حيث عبّر الاتحاد العام التونسي للشغل عن رفضه للتعديل الذي قام به الشاهد. وقال في بيان صادر اثر اجتماع طارئ لمكتبه التنفيذي ، إنه ” لم يقع التشاور معه فيما يتعلق بهذه المسألة ولا إبلاغه بذلك، ممّا يعني صراحة رغبة الحكومة في إسقاط اتفاق قرطاج وتنصّل فعليّا من التزاماته تمهيدا للإجهاز عليه”.
واستند الاتحاد في ذلك على تعيين عضو المكتب التنفيذي لمنظمة الأعراف خليل العبيدي على راس وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة، و الذي اعتبره انقلابا صريحا على وثيقة قرطاج و رسالة مشفرة له.
وأوضح أن غاية التحوير الوزاري “هي إلهاء التونسيات والتونسيين عن حقيقة الأزمة التي تعيشها البلاد وتغطية على التجاذبات السياسية ومحاولة لإبعاد الرأي العام الوطني عن الاهتمام بما يدبّر من إجراءات لا اجتماعية ولا شعبية تزمع الحكومة القيام بها أهمها خوصصة الخدمات الحيوية في قطاعات المياه والكهرباء والصحّة والتعليم وغيرها.
دور هام لرئيس الجمهورية
في ظل هذا التوتر، دعت النهضة والنداء رئيس الحكومة إلى الاجتماع بالأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج لتقييم أداء حكومة الوحدة الوطنية وتدقيق أجندة العمل الحكومي وأولوياته في هذه المرحلة الدقيقة.
كما دعا الحزبان الشريكان في الحكم، في بيان مشترك الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج لمقابلة السيد رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي بصفته راعيا لاتفاقية قرطاج لتجديد تعهّدها بدعم حكومة الوحدة الوطنية بما يزيد في تعزيز الثقة بنجاح المسار وتحقيق مطالب المرحلة وخاصة منها التنمية.
وتُعتبر وثيقة قرطاج القاعدة التي على أساسها تشكلت حكومة يوسف الشاهد والتي نالت ثقة مجلس نواب الشعب بـ167 صوتا خلال جلسة عامة عُقدت في 27 اوت الماضي.
ووقع على تلك الوثيقة رؤساء 9 حركات وأحزاب سياسية هي حركة النهضة، وحركة نداء تونس، وحركة مشروع تونس، وحركة الشعب، وحزب الاتحاد الوطني الحر، وحزب آفاق تونس، والحزب الجمهوري، وحزب المسار الاجتماعي الديمقراطي، وحزب المبادرة الوطنية الدستورية. بالإضافة إلى 3 منظمات وطنية هي الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري.
وئام الثابتي