تونس- أفريكان مانجر- وكالات
دخل الدستور التونسي الجديد منذ الاثنين 10 فيفري 2014 حيز التنفيذ بعد نشره في الجريدة الرسمية، وذلك بعد المصادقة عليه في 27 جانفي الماضي بعد مناقشات شاقة استمرت عامين.
وتدخل فصول من الدستور الجديد وخاصة المتعلقة بالحقوق والحريات حيز النفاذ مباشرة، بينما تدخل فصول أخرى حيز النفاذ بعد انتخاب مجلس نواب الشعب ورئيس الجمهورية ونيل الحكومة المنبثقة عن الانتخابات القادمة ثقة المجلس النيابي.
وحسب تقارير إخبارية فإن وثيقة الدستور الجديد كانت متوفرة مساء أمس الاثنين في مكتبة بوسط تونس العاصمة على شكل كتيب أحمر نشرته المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية، لكن العديد من فصول الدستور الجديد سيتعذر تطبيقها فورا كونها مرتبطة بانتخاب برلمان جديد ورئيس جديد أو ولادة مؤسسات جديدة على غرار المحكمة الدستورية.
أول دستور عربي اسلامي
وحسب تقرير نشرته اليوم وكالة الأنباء الرسمية “وات” فرض التاريخ الحضاري لتونس تحديد العلاقة بين السلطة والشعب في إطار عقد سياسي صاغ ملامحه وعبر عنه المفكر المصلح خير الدين التونسي في مقدمة كتابه “أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك”، “الكونستيتوسيون”،حيث ساند صياغة أول دستور في العالم العربي الإسلامي، وهوالدستور التونسي لسنة 1861.
دستور تونس لسنة1861
جاء الدستور التونسي لسنة 1861، وفيه 13 بابا و114 فصلا، ترجمة وتفصيلا لمبادئ عهد الأمان المعلن في 1857، حيث تعلق الباب الأول بـ”قانون آل بيت المملكة الحسينيين”، وفيه 8 فصول حددت شروط من يتقدم من البيت الحسيني لولاية المملكة آنذاك، وبين الباب الثاني “ما للملك من حقوق وما عليه بخصوص سياسة المملكة بمعية أهل الحل والعقد”، و”ترتيب الوزارات والمجلس الأكبر ومجالس الحكم”، في الباب الثالث، وفي “دخل الدولة” و”ترتيب خدمة الوزارات” بالبابين الرابع والخامس.
وتمحور الباب السادس حول ترتيب أعضاء المجلس الأكبر وشروطه، و”خدمة المجلس الأكبر” بالباب السابع، بينما فصل الباب الثامن الجنايات التي تصدر من متوظفي الدولة حال مباشرتهم لخدمتهم وغير ذلك. وضبط الباب التاسع “مدخول الدولة ومصروفها”، ونص الباب العاشر على ذكر مراقب الولايات، بينما تعلق الباب 11 بالمتوظفين على الإطلاق وما لهم وما عليهم وغير ذلك، والباب 12 في ما لأهل المملكة التونسية من الحقوق وما عليهم ليختم الدستور بالباب 13 الذي ضبط ما لرعايا الدول الأحباب القاطنين بالمملكة التونسية من الحقوق وما عليهم. وقد علق الصادق باي العمل بهذا الدستور سنة 1864 إثر اندلاع ثورة علي بن غذاهم. ولم تعد السلطات الفرنسية تفعيل هذا الدستور إبان فرض حمايتها على تونس سنة 1881.
دستور الجمهورية التونسية لسنة 1959
هو الدستور الذي صدر عقب الاستقلال في عهد الزعيم الحبيب بورقيبة الذي ألغى النظام الملكي وأعلن تونس دولة جمهورية، حيث تم انتخاب أعضاء المجلس القومي التأسيسي بعد أيام من الاستقلال، وعهد إليهم بمهمة كتابة دستور لتونس المستقلة.
واشتمل دستور الجمهورية الأولى على توطئة و10 أبواب و64 فصلا ضبطت بمقتضاها الأحكام العامة والسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية والمحكمة العليا ومجلس الدولة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والجماعات المحلية في حين تعلق الباب التاسع بتنقيح الدستور والباب العاشر بالاحكام الانتقالية.
التعديلات التي أدخلت على نص دستور 1959 إلى سنة 1987
تمثلت أهم التعديلات لنص دستور 1959 في القوانين الدستورية عدد 23 لسنة 1965، وعدد 23 لسنة 1967 المنقحة للفصل 29 من الدستور، وعدد 63 لسنة 1967 المعدل للفصل 51، وعدد 37 لسنة 1976 المنقح والمتمم لدستور غرة جوان 1959، والقانون الدستوري عدد 47 لسنة 1981 المنقح لبعض الفصول المتعلقة بتغيير تسمية “مجلس الأمة” بـ”مجلس النواب”.
وتضمن نص دستور 1959، بعد التنقيحات التي لحقته، توطئة و9 أبواب و74 فصلا، ليشكل إدخال نظام الرئاسة مدى الحياة من خلال القانون الدستوري عدد 13 لسنة 1975 المنقح للفصلين 40 و51 من الدستور نقضا لروح الدستور.
دستور 1959 بالتعديلات التي أدخلت عليه بعد 1987
تضمن نص الدستور إثر التعديلات التي أقحمت عليه بعد 1987 توطئة و10 أبواب و78 فصلا حيث صدر القانون الدستوري عدد 88 لسنة 1988 الذي يلغي الرئاسة مدى الحياة ويتضمن إعادة تجديد ترشيح رئيس الجمهورية مرتين متتاليتين.
وفي سنة 1999 أدخل على الدستور تعديل جديد ألغي بموجبه الحد الأقصى للتجديد لينظم بعد ذلك “استفتاء” سنة 2002 والذي تضمن التمهيد لعودة مقنعة لنظام الرئاسة مدى الحياة، بعد إعادة تنقيح الفصل 39 لينص على عبارة “يجوز لرئيس الجمهورية أن يجدد ترشحه” دون تحديد، وتنقيح الفصل 40 المحدد لسن الترشح.
دستور الجمهورية الثانية، 26 جانفي 2014
تم التصويت على الدستور التونسي الجديد في 26 جانفي 2014 بأغلبية ساحقة لنواب المجلس الوطني التأسيسي (200 صوت من مجموع 217 نائبا). وتضمن الدستور الجديد توطئة نصت على تحقيق أهداف ثورة الحرية والكرامة، ثورة 17 ديسمبر 2010- 14 جانفي 2011، والقطع مع الظلم والحيف والفساد، وتمسك الشعب بتعاليم الإسلام ومقاصده المتسمة بالتفتح والاعتدال.
كما تم التنصيص في التوطئة على القيم الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان الكونية السامية والتأسيس لنظام جمهوري ديمقراطي تشاركي في اطار دولة مدنية تكون السيادة فيها للشعب.
واشتمل الدستور الحالي على 149 فصلا تعلقت في الباب الاول بالمبادئ العامة، حيث تم التنصيص على ان “تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الاسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها”.
وتنص الفصول الواردة في الباب الثاني حول الحقوق والحريات بالخصوص على ضمان الحقوق والحريات الفردية والعامة والحريات الأكاديمية وحرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام وتكوين الأحزاب والنقابات والجمعيات والحق في الثقافة وحرية الإبداع.
واتصل الأبواب الثالث والرابع والخامس بالسلطة التشريعية وما نصت عليه من النصوص التي اتخذت شكل القوانين العادية والنصوص التي تتخذ شكل قوانين أساسية والسلطة التنفيذية وما ورد فيها من فصول تحدد مهام رئيس الجمهورية وصلاحياته وتضبط مهام رئيس الحكومة ودوائر اختصاصاته والسلطة القضائية في أقسامها العدلية والإدارية والمالية فضلا عن المحكمة الدستورية.
اما الباب السادس فقد تعلق بالهيئات الدستورية المستقلة التي تخص هيئة الانتخابات وهيئة الاتصال السمعي البصري وهيئة حقوق الانسان وهيئة التنمية المستدامة وحقوق الأجيال القادمة وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد.
وتعلق كل من الباب السابع بالسلطة المحلية والباب الثامن بتعديل الدستور والباب التاسع بالاحكام الختامية ،في حين تم تخصيص الباب العاشر للاحكام الانتقالية التي حددت أحكام الفصول ضمن التنظيم المؤقت للسلط العمومية التي يتواصل العمل بها والاحكام التي تدخل حيز النفاذ.
صياغة جماعية
وقد تولت عديد الهيئات ومكونات المجتمع المدني بعد الثورة صياغة وتصور مشاريع دستور جديد لتونس، على غرار مشروع الدستور الذي اقترحته هيئة الخبراء بإشراف استاذ القانون الدستوري ورئيس الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة، عياض بن عاشور في 2011، ومشروع الدستور المقدم من الاتحاد العام التونسي للشغل، ومشروع الدستور الذي اقترحته شبكة دستورنا.
جدير بالذكر أن قرطاج كانت قد وضعت دستورا منذ القرن الثالث قبل الميلاد يقنن علاقة الحاكم والمحكوم، وقد ذكره أرسطو في كتابه “السياسة” ليقول ان هذا الدستور” يمنع حصول الاستبداد ووقوع الفتنة”، مما يرسخ البعد الحضاري لفكرة الدستور في تونس على امتداد التاريخ من قرطاجنة الى اليوم.
ويجمع خبراء القانون الدستوري على أن الدستور الجديد يرفع عاليا سقف الحقوق والحريات، ويرسي نظاما سياسيا “تطغى عليه الصبغة البرلمانية”، حسب تعبير عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية النائب الفاضل موسى في تصريحات لـ”وات”.
هيئة وقتية لمراقبة الدستور
وأكد الفاضل موسى في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء، أن أهم الأولويات المطروحة في المرحلة الانتقالية المنصوص عليها في الدستور الجديد، تركيز الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين حتى تراقب القوانين الصادرة عن المجلس الوطني التأسيسي في انتظار تركيز المحكمة الدستورية الدائمة.
وقال الفاضل موسى إن “السلطة الحقيقية حسب الدستور الجديد تتركز بيد مجلس نواب الشعب والحكومة المنبثقة عنه” وهو ما يمثل قطعا مع مركزية النظام الرئاسي السابق، بادر به التنظيم المؤقت للسلط العمومية بعد إرسائه نظاما مجلسيا تتركز فيه السلطة العليا والمرجعية في المجلس التأسيسي.
يذكر أنه تم تعليق العمل بالدستور الأول للجمهورية التونسية في مارس 2011 بعد سقوط النظام السابق في 14 جانفي 2011 وتعويضه بقانون التنظيم المؤقت للسلطات العمومية الصادر عن المجلس الوطني التأسيسي في 16 ديسمبر 2012، وهو بمثابة “دستور صغير” تم بمقتضاه تسيير دواليب الدولة الى حين المصادقة على دخول الدستور الجديد حيز التنفيذ.
وتم الشروع في سن مشروع الدستور الجديد في ديسمبر 2012 في إطار اللجان التأسيسية بالمجلس الوطني التأسيسي في فيفري 2012 إلى حين المصادقة عليه في 26 جانفي 2014 وختمه مباشرة من قبل الرؤساء الثلاثة في اليوم الموالي.
وقد احتفلت تونس يوم الجمعة الماضي مع عدد من رؤساء الدول والمسؤولين رفيعي المستوى من عدة بلدان عربية وأفريقية وأوروبية، بالمصادقة على الدستور الجديد.
وأشاد جميع المتدخلين في الجلسة الاحتفالية بدستور تونس الجديد, واعتبروه خطوة مهمة على طريق الديمقراطية ونتاجا لتوافق بين التونسيين, وشددوا على تتويج المسار الانتقالي بانتخابات سريعة وشفافة.
إشادة أوروبية
وكان وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، هنؤوا تونس أمس على إقرار دستورها الجديد واعتبروا هذه الخطوة “نتيجة ملفتة تحمل أملا” لبقية العالم العربي.
واعتبر الوزراء في ختام اجتماعهم في بروكسل أن “الدستور يشكل تقدما مهما في العملية الانتقالية السياسية في تونس”، مضيفين أنه “وفي إطار إقليمي تطغى عليه الصعوبات، فإن (الدستور) يحمل أملا ويعتبر مثالا يحتذى “.