أكدت منظمة العفو الدولي إن طريق تونس إلى الإصلاح مهدد في ظل اعتماد قوات الأمن التونسية على الأساليب القمعية المعهودة في عهد الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي و منها خاصة التعذيب و القبض والاحتجاز بصورة تعسفية.
و في تقرير جديد صدر مؤخرا بعنوان “نريد نهاية للخوف: انتهاكات حقوق الإنسان في سياق حالة الطوارئ في تونس” ، أضافت المنظمة ” أن السلطات التونسية قد لجأت في معرض ردها على سلسلة هجمات مسلحة هزت البلاد في عامي 2015 و2016، إلى تشديد إجراءات الأمن، والاعتماد على قوانين الطوارئ. وقد ظلت حالة الطوارئ معلنة في تونس طوال الجانب الأكبر من السنوات التي مرت منذ انتفاضة عامي 2010 و2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي”.
و هو الامر الذي اعتبرته المنظمة انه لا يتماشى مع التزامات تونس الدولية في مجال حقوق الإنسان باعتبار أن السلطات التونسية طبقت قيوداً تعسفية على تنقل الأفراد داخل البلاد كما استخدمت قوات الأمن القوة المفرطة عند تفتيش المنازل. هذا بالإضافة الى مضايقة أفراد أسر الأشخاص المشتبه بهم بلمحاولة إكراههم على تقديم معلومات بخصوص أقاربهم المطلوبين لدى السلطات.
و بحسب التقرير، قد تتسبب مثل هذه الانتهاكات في إهدار المكاسب التي تحققت على مدار السنوات الست الماضية أو منها خاصة حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، وهي الحقوق المكفولة في الدستور الصادر عام 2014.
و في هذا الاطار، قالت هبة مرايف، نائبة مدير قسم البحوث في المكتب الإقليمي لمنظمة العفو الدولية في تونس: “مما لا شك فيه أن من واجب السلطات التصدي للتهديدات الأمنية وحماية السكان من الهجمات المميتة، ولكن بوسعها أن تفعل ذلك مع احترام ضمانات حماية حقوق الإنسان المنصوص عليها في الدستور التونسي وفي القانون الدولي “
و شددت المتحدثة على أهمية هذا المسار “خاصة و إن إطلاق العنان لأجهزة الأمن لكي تتصرف باعتبارها فوق القانون لن يحقق الأمن”.
23 حالة من حالات التعذيب
و أشار التقرير إلى حالة من حالات التعذيب و البالغ عددها ثلاث و عشرين وغيرها من المعاملات السيئة على أيدي قوات الشرطة، والحرس الوطني وأفواج مجابهة الإرهاب، منذ ديسمبر 2015، لافتا النظر الى ما يتعرض له الضحايا من مضايقة وترهيب عقب الإفراج عنهم.
ومن التجاوزات الأخرى، سلط التقرير الضوء على اثنتين من حالات العنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب، وقعت أولاهما في مركز الشرطة في مدينة بن قردان، في مارس 2016، ووقعت الأخرى في سجن المرناقية، في ديسمبر 2015.
و قد القي القبض على آلاف الأشخاص منذ فرض حالة الطوارئ في نوفمبر عقب الهجوم الإرهابي الذي استهدف الحرس الرئاسي في العاصمة تونس. ففي هذا السياق، تم تسجيل ما لا يقل عن 19 حالة قبض تعسفي كما تعرض بعض أفراد الأسر للترهيب أو للقبض عليهم بصورة تعسفية أو للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أثناء احتجازهم لإجبارهم على الإدلاء بمعلومات عن أقارب لهم يُشتبه في ضلوعهم في هجمات مسلحة.
و لفت التقرير الى الصدمات النفسية والآثار المعنوية للمداهمات المتكررة. حيث اضطر أكثر من 10 أشخاص اضطُروا إلى تلقي علاج طبي من الصدمات، وقال بعض الأشخاص إن المضايقات الدائمة دفعتهم إلى حافة الانتحار.
بالإضافة إلى المضايقات من خلال مداهمات المنازل والقبض والاحتجاز بصورة تعسفية كما فرضت السلطات التونسية على ما لا يقل عن خمسة آلاف شخص أوامر بحظر السفر داخل تونس وإلى خارجها، كما وضعت ما لا يقل عن 138 شخصاً رهن أوامر بالإقامة الجبرية تفرض قيوداً على تنقلاتهم وتحددها في مناطق معينة
و عللت السلطات هذه الإجراءات بمحاولة منع آلاف التونسيين من الانضمام إلى الجماعات المسلحة، التي تمارس نشاطها في بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومراقبة تحركات أولئك الذين عادوا من مناطق الصراعات. إلا إن بحوث منظمة العفو الدولية بينت أن القيود التي استُخدمت في بعض الأحيان على التنقل كانت بشكل تعسفي وغير متناسب. ولم يتمكن الذين طالتهم تلك الإجراءات من العمل أو الدراسة أو العيش حياة أسرية طبيعية، ولم تُتح لهم فرص الطعن في الأوامر المقيِّدة أمام المحاكم.
و وفي إطار ما رصده التقرير، دعت منظمة العفو الدولي الحكومة التونسية الى اثبات ان الأساليب المستخدمة في التصدي للتهديدات الأمنية لا تنتهك مبدأ حظر التعذيب ولا تفرض قيوداً تعسفية أو غير قانونية أو غير متناسبة أو تتسم بالتمييز على حق الأفراد في الحرية، والتنقل، والخصوصية، والحياة الأسرية، والعمل”.