تونس- افريكان مانجر
800 مليون دينار هي القيمة الجملية للديون المتخلدة بذمة شركة الفسفاط ، رقمٌ يُؤكد الوضعية المالية للحرجة للشركة، الأمر الذي دفع بالاتحاد الجهوي للشغل بقفصة بإصدار بيان يحذّر فيه من إنحدار المؤسسة نحو الإفلاس.
“السلطة السياسية تتخلى عن الشركة”
وقد أكد رمضان بن عمر المكلف بالإعلام بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنّ “الوضعية التي تعيشها شركة الفسفاط اليوم هي نتيجة تخلي السلطة السياسية عنها وتركها بمفردها في مواجهة الاحتجاجات والمطلبية الاجتماعية”، مشيرا الى أنّه “من الخطأ تكليف المؤسسة بالمجهودات التنموية بالجهة”.
وقال بن عمر في حوار خصّ به “افريكان مانجر” إنّ شركة الفسفاط في أزمة، وذلك بعد أن اضطرت لتقديم العديد من التنازلات دون ان يعقبه عمل مستمر في علاقة بتدفق وتطور في الإنتاج.
وتابع “حضور الدولة في ولاية قفصة ضعيف… وحتى مختلف الاحتجاجات الاجتماعية لا يقع التعامل معها بطريقة مناسبة من اجل ايجاد مناخ ملائم”، وإجمالا “الأزمة مرتبطة بالمنوال التنموي للولاية الذي بقي يعتمد فقط على شركة الفسفاط ولا يوجد أي تنويع للنسيج الاقتصادي للجهة”، وفق إفادته.
“انقاذ الشركة… انقاذ لولاية قفصة”
وتعاني شركة فسفاط قفصة، وهي المشغّل الرّئيسي لعقود طويلة بجهة قفصة، منذ 2011 من تدهور لافت في حجم إنتاج الفسفاط التجاري بسبب تواتر الحراك الاجتماعي الاحتجاجي وتقادم معدّات وآليات إستخراج الفسفاط على وجه الخصوص، إذ لم يتجاوز إنتاج الفسفاط في السنوات الاخيرة مستوى 40 بالمائة من طاقة إنتاج الشركة لسنة 2010، كما لم يتعدّى معدّل إنتاجها السنوي في السّنوات الثماني الاخيرة سقف 4 ملايين طنّ مقابل أكثر من 8 ملايين طنّ في سنة 2010، وذلك حسب معطيات لشركة فسفاط قفصة.
وفي ظلّ الوضعية المالية الصعبة للمؤسسة، قال المصدر ذاته إنّ منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية قدّم جملة من المقترحات لإخراج الشركة من الضائقة المادية وإبعاد “شبح الإفلاس الذي بات يُهدّدها”، ومن ابرز المقترحات “صياغة رؤية متكاملة او اعداد منوال تنموي لمنطقة الحوض المنجمي بصفة خاصة وللولاية ككلّ، تعتمد أيضا على القطاع الفلاحي وغيرها من القطاعات…
وشدّد محدثنا على انه في انقاذ شركة الفسفاط “إنقاذ لولاية قفصة”، مُؤكدا على انه “إذا ما توفرت الإرادة السياسية فإنّه سيتمّ إيجاد حلّ دائم للشركة”،.
إنتاج “دون التوقعات”
وإستنادا الى آخر المعطيات الرسمية، فقد بلغ إنتاج شركة فسفاط قفصة من الفسفاط التجاري منذ غرّة جانفي إلى موفّى شهر أكتوبر من العام الجاري، مليونين و700 ألف طنّ وهو إنتاج لم يبلغ الهدف المنشود الذي كانت هذه الشركة قد ضبطته لنفسها خلال الفترة ذاتها وهو تحقيق إنتاج يساوي 4,3 مليون طنّ أي بفارق سلبي قدّرت نسبته ب43 بالمائة.
وبالتالي فإنّ إنتاج التسعة أشهر الاولى من العام 2019 “دون توقّعات الشركة”، وكان تقريبا نفس إنتاج الفترة نفسها من العام الماضي 2018 باعتبار أنّ الشركة أنتجت حينها 2,6 طنّ من الفسفاط التجاري.
ومن المستبعد ان تتوصّل شركة فسفاط قفصة في نهاية العام الحالي إلى إنتاج 6 ملايين طن، وهو الهدف الذي كانت قد رسمته لنفسها وذلك لعدّة إعتبارات منها انّ وحدة إنتاج الفسفاط التجاري بأم العرائس متوقفة تماما عن النشاط طيلة العام تقريبا، وعدم إستقرار نشاط وحدة الانتاج بالرديف، زيادة على عدم إسترجاع شركة فسفاط قفصة لنسقها العادي في إستخراج وإنتاج الفسفاط في بقية الاقاليم بسبب تقادم جزء من آليات إستخراج الفسفاط وغياب أعمال الصيانة الضرورية لهذه المعدّات، وفق ما صرح به المكلف الإعلامي بهذه المؤسسة الوطنية علي الهوشاتي في وقت سابق لـ “وات”.
وحسب مصدر مسؤول بالشركة فإنّه توجد مساعي خلال هذه الايام من طرف وزارتي الصناعة والمالية بهدف إيجاد حلّ.
ديون تتجاوز 800 مليون دينار
ومع تردي الوضع المالي للشركة، دعا الإتّحاد الجهوي للشغل بقفصة، الدّولة التونسيّة للتّدخل بضخ أموال لحلّ الأزمة المالية التي تواجهها شركة فسفاط قفصة، وقال إنّ إفلاس شركة فسفاط قفصة هو ضرب لميزانية الدّولة واقتصادها،
وطالب الإتّحاد في بيانه الصادر خلال شهر سبتمبر الماضي، بالإسراع في إيجاد حلول للحدّ من انحدار المؤسّسة نحو الإفلاس، وذلك عن طريق خلاص الديون المتراكمة منذ سنة 2016، للشركة التونسيّة الهنديّة للأسمدة ”تيفارت”، والمجمّع الكيميائي التونسي والتي بلغت قرابة 800 مليون دينار لفائدة شركة فسفاط قفصة، بالإضافة إلى مراجعة سعر بيع الفسفاط للمؤسّستين السالف ذكرهما.
رزنامة لخلاص الديون… وبعد
وعلى إثر ذلك، تقرّر خلال جلسة إنعقدت مؤخرا، بوزارة الصناعة بغرض تدارس الوضعية المالية الراهنة لشركة فسفاط قفصة وضمّت وزير الصناعة والمؤسسات الصغرى والمتوسطة سليم الفرياني، ووفدا نقابيا وممثلين عن شركة فسفاط، الاسراع في وضع رزنامة لخلاص ديون الشركة المتخلدة لفائدتها لدى حرفائها.
وإعتبر مصدر مسؤول في شركة فسفاط قفصة في تصريح لوكالة تونس افريقيا للأنباء أن قرار ضبط رزنامة لخلاص هذه الديون المقدّرة بنحو 800 مليون دينار، هو الحلّ المتاح في الوقت الرّاهن لضمان الموارد المالية الضرورية للسّير العادي للشركة، واكد أن هذه الرزنامة ستراعي الوضعية المالية للمجمع الكيميائي التونسي.
وأضاف أن الشركة “ليست في وضع إفلاس، بل هي تمرّ بصعوبات مالية حادّة” مردّها أساسا عدم خلاص ديونها المتراكمة لدى حرفائها وهم بالخصوص المجمع الكيميائي التونسي والشركة التونسية الهندية للأسمدة.
وتلاقي هذه المؤسسة المختصّة في إستخراج وإنتاح الفسفاط صعوبات مالية ونقصا كبيرا في السيولة المالية كانت لهما في الفترة الاخيرة تداعيات على مستوى قدرة الشركة على خلاص أجور أعوانها وعلى خلاص معاليم جبائية للديوانة بقيمة 80 مليون دينار مقابل تسلّمها قطع غيار لصيانة آليات إستخراج الفسفاط الخام.