تونس-أفريكانن مانجر
السّياحة الحزبيّة أو النّزوح النّيابي أو”الصّعلكة” البرلمانيّة كما يحلو لبعض المحلّلين السّياسيين تسميتها ظاهرة تفاقمت بشكل ملحوظ، وقد ربطها مراقبون سياسيّون بالفساد المالي وبالرّشوة، ففي كلّ مرّة ينزح فيها نوّاب من أحزاب إسلامية إلى أحزاب علمانيّة أو العكس.
وقد تأكّد اليوم وبعد فضيحة رشوة نواب من حزب الانفتاح والوفاء أنّ كثير من الأحزاب ومن النّوّاب مورّطين في منظومة الرّشوة، رغم أنّ النائب البحري الجلاصي نفى ذلك.
يُذكر أنّه تمّ مؤخرا كشف وثائق تثبت شراء ذمم بعض النواب في المجلس الوطني التأسيسي من قبل النائب البحري الجلاصي قصد تعهدهم بالانضمام إلى حزب الانفتاح و الوفاء و دعمه في الحملة الانتخابية.و من بين الأسماء المذكورة النائب حسني بدري و جلال بن فرحات و طارق بوعزيز وشكري العرفاوي.
نزوح ثلث نواب التأسيسي
وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا النّزوح السّياسي شمل حوالي ثلث نوّاب المجلس الوطني التّأسيسي أي ما يعادل 60 نائبا، وفق تصريحات أميرة يحياوي رئيسة جمعيّة بوصلة لـ “أفريكان مانجر” التّي أكّدت أنّ أكثر حزب خسر نوّابه هو حزب العريضة الشّعبيّة ( خسر 19 نائبا) وهو ما يثير عديد التّساؤلات، خاصّة وأنّ النوّاب المنسحبين انضمّوا إلى أحزاب تتناقض مبادئها وبرامجها مع الحزب الذي انتخبوا لأجله، مبرزة أنّ كثير من الأحزاب خسروا نوّابا، غير أنّ حركة النّهضة وسّعت دائرة نوّابها ليصبحوا 91 نائبا بدل 89، ونفس الشّيء بالنّسبة للمسار المعارض حيث أصبح عدد نوّابه 7 بعد أن كانوا خمسة، هذا إلى جانب تمكّن بعض الأحزاب الجديدة على غرار وفاء ونداء تونس… من استقطاب عدد من النّواب دون أن يكونوا قد ترشّحوا للانتخابات.
منظومة الفساد المالي
من جهة أخرى قال معزّ بوراوي رئيس جمعيّة “عتيد” في تصريح لـ ” أفريكان مانجر” إنّ منظومة الفساد المالي ورشوة الذّمم داخل الأحزاب وبين النّوّاب اتّضحت بالكاشف بعد أن كانت مجرّد شكوك لا يمكن إثباتها، مشيرا إلى أنّ هذه الممارسات غير المشروعة مرتبطة بالأخلاقيّات السّياسيّة، ورغم ذلك يرى محدّثنا أنّه من الأفضل في الوقت الرّاهن أن يبقى الحال على ما هو عليه ، حتّى يظهر الوجه الحقيقي للمشهد السّياسي صلب المجلس الوطني التّأسيسي، خاصّة وأنّه قد لوحظ على حدّ تعبيره نزوحا حزبيّا من نوع آخر صلب نفس الحزب وذلك بتسجيل الولاء الكامل لشخص واحد داخل الحزب وتجاهل بقيّة النّوّاب.
وفي سياق آخر، بيّن مصدرنا أنّ تكوين الكتل في حدّ ذاته يعتبر غلطة، حيث أصبح النّائب من ذلك المنطلق يعتبر المجلس الوطني التّأسيسي برلمانا في الوقت الذي تقتصر فيه مهمّته على كتابة الدّستور، وهو على حدّ تعبيره ما ساهم في تحجيب مهمّة المجلس، وتغليب الحسابات الحزبيّة على تمثيل الشّعب.
النّزوح الحزبي والرّشوة
أمّا سلوى الشّرفي الأستاذة الجامعيّة والباحثة السّياسيّة، فقد رأت في تصريح لـ “أفريكان مانجر” أنّ من حقّ النّائب أن يغيّر موقعه السّياسي إذا شعر أنّ حزبه حاد عن برنامجه الأصلي ومن حقّه أن يبقى مستقلاّ، مشيرة إلى أنّ النّائب في تونس هو نائب الأمّة التّونسيّة جمعاء وليس نائب حزب معيّن.
من جهة أخرى أبرزت محدّثتنا أنّ الأحزاب تقوم أيضا بالنّزوح الحزبي من خلال تحالف غير طبيعي بين علمانيين وإسلاميين، طمعا في السّلطة، مبيّنة أنّ هذه الظّاهرة يمكن أن يكون محرّكها الأساسي الرّشوة.
وفي كلتا الحالتين، أكّدت المحلّلة السّياسيّة أنّ الخطورة تكمن في إمكانية شراء ذمم النّوّاب، مبرزة أنّ أيّ شخص يمكن أن يستقطب 10 نوّاب يمكنه التّرشّح إلى رئاسة الجمهوريّة، وهو ما يعني على حدّ قولها أنّ المسألة ليست أفكار بل طمع في السّلطة وهذا فساد ما بعده فساد، الشّيء الذي من شأنه أن يقضي على فلسفة الانتخاب النّزيه والسّرّي، وفق تعبيرها ويجعل الخيار النّهائي المقدّم للمواطن البسيط خيار فاسد لأنّه مبني على الرّشوة.
العريضة الشّعبيّة المتّهم الأوّل بالرّشوة
في نفس الإطار، لاحظت سلوى الشّرفي أنّ أغلب النّوّاب المشكوك في أخلاقهم وفي ذممهم هم من العريضة الشّعبيّة، وقد سبق في الانتخابات عند فوزها بـ 16 مقعدا، أن رفضت من قبل كلّ الأحزاب لأنّه كان وراء وجودها ريبة وشكّ في تمويل فاسد وشراء ذمم وأصوات، مضيفة أنّ أغلبيّة نوّاب العريضة تعوّدوا على الرّشوة وعلى بيع ذممهم فواصلوا في نفس التّمشّي. من جهة أخرى بيّن نفس المصدر أنّ ظاهرة الفساد المالي موجودة حتّى في الدّول المتقدّمة لكن بدرجة ضعيفة جدّا، وكثافتها في تونس ترجع الى أنّنا حديثي العهد بالدّيمقراطيّة التّي تنبني على مبادئ خدمة الوطن والمساواة والعدالة…
ضرورة وضع ميثاق شرف
وأشارت محدّثتنا إلى أنّ الطّاغي على عديد الأحزاب بما فيهم حزب النّهضة أنّ الدّيمقراطيّة، مجرّد إجراء انتخابي (يمكن أن ينجح هتلر في الانتخابات، ويقول أنا لديّ شرعيّة، وفق تعبيرها)، متناسين أنّ الشّرعيّة الديمقراطيّة تقوم على مبادئ حقوقيّة مثلا، ومن هذا المنطلق لا يجب على حدّ تعبيرها الاكتفاء بفلسفة عامّة، بل بالعمل على وضع ميثاق شرف يوقّع عليه كلّ من يصل إلى السّلطة، مع ضرورة أن يحمل هذا الميثاق التزام بالتخلّي عن السّلطة في حالة التّقصير الكبير أو في حالة المسّ من حقوق الإنسان وحرّيته، مشيرة إلى أنّ هذا الميثاق من شأنه أن يحصّن المواطن النّاخب ويحمي تطلّعاته المستقبليّة.
هدى هوّاشي